السبت، 29 ديسمبر 2012

الباب الموصد...



عبثا... يحاول أن يَعُدَّ الخطي إلي واحد من تلك الأبواب الموصدة... ذلك الباب الذي ظل يتجاهل وجوده دهرا... و الذي لم يكن ليحاول الوقوف به... و لو بحديث نفس...

إنه الباب الذي ربما لا يعلم ما يكمن وراءه... أو ربما لم يجرؤ أن يسأل نفسه عن ذلك يوما!

عبثا... تحاول الكلمات أن تفصح عمّا بداخله مِن هَمٍّ اختبأ في أعمق نقطة بقلبه... و كأنما يخجل أن يُطلِعَ عليه نفسه!

ينتابه شعور طفولي بأنه ذلك الباب الذي يفصل بينه و بين حُلمه، بينه و بين سعادته، بينه و بين قلبه!

و لكن _و إن كان كذلك_ كيف له أن ينتظر لون ربيعه الأخضر في أجوائه التي دائما ما تعكر العواصف صفوها؟!

تداعب الأفكار روحه... و تحلق به إلي حيث اللامحدود... حيث لا حيز و لا أبواب... حيث السعادة المطلقة، و الخوف المطلق، من أن يظل باب أحلامه... باباً موصدا!!
 
 

السبت، 22 ديسمبر 2012

في الشتــــــــاء...

 
·        تتقلب الحياة بين الفصول... و بعد فصل الإزهار، يأتي فصل الانزواء... فنشعر و كأن دور ما قد شارف علي الانتهاء، أو انحصر فأصبح هامشيا، علي أفضل التقديرات... و لكننا نكتشف دوما، أنه كلما كان الإزهار مبهجا... كان الانزواء قاسيا!
*** 
·        عجبا لهؤلاء الذين ابتلوا بالحكمة عند الحزن... فحزنهم يدوم طويلا... يتصل بهم حتي يستعذبوه... فيذوب أزرق الحياة في رماديها... و هكذا هي سماء الشتاء!
***
·        عندما يحلو الدفء، و يصدق الحب، و تشف النفوس، و يكسو الكون ليلا مخمليا، فتتجرد الأشياء من كل تزين زائف، فنحن في فصل الشتاء... و عندما يتيبس الأخضر، و تتجمد البهجة، و يبسط الليل عباءته الحزينة علي الأشياء كلها، فنحن أيضا في فصل الشتاء... كم هو عجيب تناقض البشر!
*** 
·        يقول البعض نحب الشتاء... و يقول آخرون لا نحبه... أما أنا فأقف حيري... فبين حكمته و حزنه... و بين دفئه و قسوته... ترابط عجيب... إنه يحمل دائما هاتين المتلازمتين... يمكث فينا ما يمكثه و يمضي في موعده... غير عابئ بما نقول!
*** 
·        بين شوق يتبعه لقاء، و فراق يعقبه ألم، تتباعد مداراتنا و تتقارب، تزداد و تنقص... و في مواسم الوحدة، نتمرد علي المدارات، و نشب عن الدوائر، و عندها، نستطيع بوضوح أن نري تلك الدائرة التي _و إن ابتعدنا_ تزداد هي اقترابا!
*** 
·        سألت الشتاء ذات مساء "ما سر حبك للمطر؟"... فقال "أتخشين مرور العمر؟!"... فقلت "أخشي أن أمضي كما مضي الكثير، لا فعل...و لا أثر... و لكن أين الجواب؟!"... فقال "هكذا أنا، عندما أمضي، و يمحو الربيع كل أثر لي، لا يبقي لي سوي تلك الذكري التي قد ملأت النفوس استبشارا، و الأرض خضارا!"
***

السبت، 1 ديسمبر 2012

هذيــــان حلــــم!!



جلس في هدأة الليل إلي صغاره المدللين، طلب إليهم أن يسكنوا قليلا كي يبثهم أمرا… يعلم جيدا كم تسأم نفوسهم الصغيرة وقع كلماته المنظمة، و لكنهم_رُغم ذلك_ تحلقوا حوله لينصتوا إليه في شغف طفولي بريء...

لقد اعتادوا أن يجلسوا إليه ليقصهم حكاياه الممزوجة بسحر خياله، فيجتاز بهم مدي الدهر و حدود المكان... و لكن تلك المرة بدا مختلفا، ففي صوته شجن كسير، و علي  ملامحه مِسحة حزن لم يسبق لهم أن رأوها تعلو وجهه...

"اسمعوا لي يا صغاري، فالله وحده يعلم كم أحبكم... لقد عاهدته كثيرا أن أكون لكم الأمان و الحماية... عاهدته كثيرا أن أترك لكم عالما أفضل لتعيشوا به...  وحده الله هو من يعلم كم يعتصرني قلقي عليكم..."...أطرق شارد الذهن، فإن مجرد تفكيره بأن مكروها قد يُلمَّ بهم _لا قدَّر الله_ يصيبه بغُصة في حلقه، بل يكاد يعصف به و يُذهب نفسه حسرات!!

نظر إلي وجوههم الصغيرة ذات القسمات الناعمة التي لم يعبث بها الزمن بعد... ابتسم لهم في شفقة، ربما لم يفهموها، و لكنه كان واثقا أنهم لو شعروا بها، لأخذتهم به شفقة لا حدَّ لها...

 "... و رغم ذلك، أنا لا ألومكم يوما إن لمتموني أو كرهتموني أو حتي لعنتموني... و كيف ألومكم إن كنت ألوم نفسي، و أكرهها و ألعنها و أخجل من الله و منكم و منها... نعم، فالحقيقة أنني أخجل كثيرا لما فرطت فيما عاهدت الله... و وعدتكم!!"...
*****
لم يكن يعلم علي وجه التحديد كم كانت الساعة عندما فتح عينيه... و لكنه رأي خيوط الشمس الأولي تتسلل من شرفة غرفته معلنة عن صباح جديد... فانتفض من نومه و ابتسم ابتسامة العائد من رحلة طويلة متمتما " أيها الصغار، سامحوا تقصيرنا و اعذروا بشريتنا... سامحونا إن نحن أنجبناكم، و اعذرونا إن لم نفعل!!"