السبت، 27 ديسمبر 2014

أحجية الحياة...

لم أعد مؤخرا أستطيع أن أري الحياة من حولي سوي بتلك النظرة الواقعية التي تتسم_غالبا_ بالكآبة... و حقيقة أنه لم يعد أحد... فالحديث عن التفاؤل في غمار ما يجري يبدو ضربا من السخف و الحماقة و الابتذال... و لكن_و رغم الواقع و الكآبة_ لا تزال الحياة تمثل لي تلك اﻷحجية اﻷزلية... فمن عجائب الحياة أنها تدع لك مساحة _و إن كانت صغيرة جدا_ للمتعة... ربما كانت قهوتك الصباحية، أو سؤالا من أحدهم تذكره بالكاد و لكنه يذكرك لتلك الدرجة التي تدفعه لتفقدك... ربما كان "تراك" جميلا اكتشفته و ظللت تعيده مرات و مرات علي سمعك... ربما أبسط من ذلك... فالحياة لا تطبق بسوادها جميعا... و ذلك يدفعنا ﻷن نكون علي اﻷقل، ممتنين... قد تمنحك الحياة أمرا جميلا تتفرد به في أحلك المواقف لا لتخرجك منها و لكن لتخفف حدة تلك الكآبة التي يمكنها أن تشوه معالم روحك لولا وجود أمر مماثل... أمورا تشبه عداس، ذلك الفتي الجميل الذي أتي للنبي محمد بالفاكهة بعد محنة الطائف و جلس إليه و أخذ يسمعه و يصدقه و يهيبه... أو تلك الهرة التي لازمت الصحابي الفقير تعوضه عن اﻷهل و الولد ليكون أبي هريرة أبيها إلي اﻷبد... أو ذلك الهدهد الذي دبر لقاء أسطوريا يجمع سليمان و بلقيس و الذي لولا عجائب الحياة لكان لقاءا مستحيلا... هكذا يمكن للحياة أن تصنع لنا ذاك الخليط العجيب لنمضي... و لو توقفنا لنسأل لماذا نمضي ما مضينا... اﻷمر ليس علي سبيل المكافأة... و لا علاقة له بكونك نبيا أو وليا... فقط صدق إن أردت... فالمعجزات تجري فقط علي يد من يصدق فيها في كل زمان...

بلقيس...

و أوتينا العلم من قبلها...
في حوار أشبه بال IQ test... يتألق سليمان و بلقيس كأروع ما يكون "ماتش نهائي كاس عالم"... في عصر الجواري و اﻹماء يكسر سليمان كل المسلمات و القوالب و يمضي ساعات طويلة يجادل "امرأة" و يتبادل معها اﻷحجيات... صحيح بلقيس ملكة لكن سليمان كان أقوي و ملكه أكبر و لو كانت الفكرة في إخضاعها لمملكته أو ديانتة كان في ألف طريقة أسهل و أنجز... القصة دي بالذات ربنا ما أشارش ﻷي أهداف تانية ورا دعوة سليمان لبلقيس... دعوته ليها كانت دعوة حوار و "جسر ممرد إلي الله"... و بتنتهي القصة اللي بيحكيها ربنا من غير "بانيك" و من غير نهايات عاطفية درامية... يمكن حبت سليمان... يمكن حبها... يمكن كملو حياتهم مع بعض... أو رجعت لحياتها و ملكها... مش مهم... ﻷن الأهم في القصة حصل... النور و الجمال و المتعة و الفكر و الانبهار و الإعجاب المتبادل و عقلين و قلبين اتفتحو علي دنيا أوسع... كل المحاولات لاستكمال القصة أو تحويرها كانت مجرد انعكاس لعقم المجتمعات و فقرها... فمثلا إن اليهود يحاولو يشوهو بلقيس و يقولو انها نص شيطان لمجرد ان عقلهم مش متقبل ان ست تكون بالمكانة و الحكمة دي... أو العرب يحاولو يطبقو نمطهم السطحي الرتيب علي علاقة سليمان و بلقيس و انهم اتجوزو و عاشو في تبات و نبات و الحدوتة خلصت عشان الست ملهاش غير بيتها... أو حتي التصورات اﻷوروبية إن العلاقة كان أساسها الرغبة و الجنس... علاقة الراجل بالست في معظم المجتمعات علاقة مشوهة و بعيدة تماما عن الفطرة... و ربنا بيكلم ناس سوية... عشان كدا صعب نفهمه...

السبت، 25 أكتوبر 2014

الحب... المحبة... نظرة عن كثب

لا يشكر الله من لا يشكر الناس... و بطريقة ما، لا يمكنه أن يحدثك عن محبة الله من لم يذق محبة "أحد" خلقه... و لا أدري إن كان الصوفيون قد فطنوا سلفا إلي ذلك فاتخذوا عشق المرأة أو المحبوب طريقا إلي "العشق الإلهي"... و هل تخضع المحبة لتلك الفكرة البسيطة التي تتلخص في أنك لا يمكنك أن تصف مشاعر ما (كالجوع، و العطش، و الرغبة) إلا إذا كنت حقا اختبرتها يوما ما. ربما لا، فلذاك الشعور درجة عميقة و تراكمية "أو متدرجة" تعدو تلك المشاعر اللحظية. أو ربما كان اﻷمر غير قابل للقياس ﻷن لكل منا طبيعة و قلب تختلف درجة رقته و قسوته عن نظيره... و لكن، هل كان آدم ليدرك محبة الله الكامنة في قلبه لولا أن أحب حواءه و توحدا لتلك المرتبة التي يستوي لديك فيها العيش منعما في الجنة أو ضائعا في صحراء الأرض المقفرة طالما كنت برفقة ذاك الرفيق الاستثنائي... و هل تلك الخاصية التي ميزه الله بها عندما وصفه بالخليفة، بينما لم تعها الملائكة عندما وصفت علاقتها بالله بأنها التسبيح و التقديس... الحب مكون أساسي أودعه الله في كل ما صنع بيديه و أهداه الروح.. و قد منح كل كائن طريقته الخاصة في إدراك تلك الخاصية و التعبير عنها... و لكن _لسبب ما أجهله_ شاهت معالم تلك الخاصية عند الكائن البشري... فصار يبالغ في التفاعل مع تلك المشاعر بطريقة مجردة بعض الشيء... و يعكس عليها و بشتي الطرق عقده و مخاوفه و سطحيته و ماديته و رغباته الجسدية... و لذلك تفاوتت ردة فعل المجتمعات بحسب التصالح مع تلك المادية "لا الوازع الأخلاقي" بين القبول و الرفض... و ﻷن المحبة صارت مرادفا للرغبة، تجدها في مجتمعات الفصام أمرا خاضعا للسيطرة/الطلب... فيتم سجنها و تقييدها إلي أن يأتي "اﻹطار" المناسب لإطلاقها... أما تلك المجتمعات التي تتصالح مع تلك المادية... تنطلق الرغبة لتكون أساسا للقرب و البعد و تحدد بداية العلاقات و نهايتها... و عندما تخمد الرغبة نبحث عن الحب بداخلنا و حولنا، فلا نجده! الحب بكل صوره هو هدية الله للقلوب الحانية ليرقيها و القاسية ليطوعها... و لا يجوز بحال أن تحكمه المادة... و لأنه مرافق للروح يترقي في الطبقات و المراتب... و بحسب طبقته يكون الحب قادرا علي اختراق الحواجز و تجاوز الاختلاف... أن تكون محبا يعني أنك تكون متقبلا محبوبك بكل فعاله سواء أحببتها أم لا... سواء أفهمتها تماما أم لا... و لذا، فإن أردت أن تعرف محبة الله و قبول جميع فعاله، فلا تخجل من أن تجد لنفسك محبوبا... و اترك للمحبة مجالا لتغسل قلبك... و لا تحرص أن تملك من أحببت، و لا تندم أن أحببت يوما... فللقلوب لغة يفهمها من قام ببرمجتها... و هو _وحده_ القادر علي أن يعيد كتابة تلك الشفرة أو استبدالها حينما يريد.

الاثنين، 20 أكتوبر 2014

صلاة...

في كل مرة ظننت أنني وحيدة... غمرتني برسائلك الحانية... أنت أكبر من أفكاري... فلا تتركني كثيرا أفتقدك... أعدك أن أبقي دائما باحثة عنك... و لكن دعني أعرف دائما أنك برفقتي... و امنحني سلاما دائما برفقتك... احمني من تلك العيون المتربصة و القلوب التي لا أدري ما تشعر به نحوي... حررني من أرض الخوف الذي استبد بي... و ازرعني في أرض محببة لك... أنت أكثر جودا من أن أفكر إن كنت أستحق منك ذلك... و أنا لم أعرف يوما وطنا أكثر براحا منك... فكن وطني و مينائي و متكئي... و اجعلني برفقة من يراك حنونا رحيما... لا من يراك باطشا... أنت تعرف أني لم أسأل يوما سواك... و لم أحتج يوما سوي يدك... فاجعل حياتي لك صلاة و كلماتي  مناجاتك و صمتي إجلالك... امنحني سرا من أسرارك أخطو به في كونك كملكة... و ألهو كطفلة... و أرقص كزهرة تداعبها نسماتك... و اجعل قلبي بردا و سلاما... فلا يحترق بعشق و لا يقسيه جليد نفور... كن إلي أقرب من كل شيء... و قربني من كل ما يحتاج قربي... و زد روحي نورا و ألفة و أنسا... اجعل ابتسامي و دمعي و راحتي و ألمي و حياتي و موتي دربا يسيرا إليك... و إن لم تهبني رفقة وهبتها ﻵدمك... فلا تورثني  ضجره... و اغنني بك عما حجبت... و كن قريبا إن دعوتك... و قريبا إن غفلت... و قريبا إذ أقمت... و قريبا إذ تقلبت... و اجعل راحتي و هواي و تيهي و يقيني_ فقط _حيث شئت...

الجمعة، 28 مارس 2014

هذيان... شقيق الروح

هل تؤمن بوجود ما يسمي "شقيق الروح" علي سطح البسيطة... كلمة درجت في الشعر و الأغاني... فكرة حالمة خيالية تجعلك تنزع إلي رؤية الكائنات أنصاف مفردة تبحث عن أنصافها... ربما بدت فكرة ساذجة، و لكن... هل سبق و أن بلغ بك أحدهم أقصي درجات المتعة ب"أي كلام" في حين "فصلك" سواه بحديث "جاد" "صادق" عن ميزاتك و "حلاوتك" و فيلمك/أكلك المفضل... هل سبق و أن حلق بك أحدهم في سماء الفردوس و قد أودعك دركا من الجحيم في آن... هل أمتعك يوما _رغم الأسوار الشائكة التي تحيط أفكارك_ أن يتجول أحدهم في عقلك دون "قلق" أو "تحفز" أو "تجمل"... هل شعرت بأحدهم يضفي علي المكان تلك البهجة التي تضفيها الروح علي الجسد، و أن تواجده _في أي حال_ كافيا لجعل أكثر أماكن الأرض قبحا، أكثرها جمالا... و أن غيابه كفيلا بجعل الأماكن الأكثر رحابة بمثابة سجن ضيق للروح... هل أصابك فقدان أحدهم بصمت مطبق مائل إلي "الزهد" في الكلمات أكثر منه إلي الحزن... بلاش دا كله... هل تأملت يوما نوع ذاك الاحتياج الذي اجتاح آدم في عدن_حيث نغمة أنس ربانية نورانية لا تكدرها أو تشوبها منغصات الدنيا التي نعيشها نحن_ و الذي لم يكن احتياجا غريزيا بحال ، ف"أوبشن" الغريزة لم يكن تم تفعيله بعد... ذاك الاحتياج الذي لم يذهب مرارته سوي تواجد روح لها التردد ذاته، و الاحتياج ذاته... ربما لا زال الأمر يبدو في ظاهره حالما خياليا، و ربما تصورته _علي أفضل تقدير_ حديثا عن المحبة... لكنني أكاد أجزم أنه أمر يتخطي تلك المشاعر التي لا نختلف علي عمقها إلي منطقة أكثر عمقا... أكثر خطرا و إيلاما... و ظاهرة تشبه الظواهر الكونية في كونها غير قابلة للبحث/التوقع... غير خاضعة لتفسيرات العقل، و دروب المنطق، و فلسفة الإيمان و الكفر!

الأربعاء، 26 مارس 2014

إلي كيميــــا... الروح العاشقة

"إن الطريق إلي قلب الرجل قد يجرف المرأة بعيدا عن نفسها أحيانا"... ألم يكن هذا ما  حذرتك منه وردة الصحراء يا كيميا الغالية... ألم تحذرك من الانجراف في تيار العشق... ألم تكن محقة تماما... معك كل الحق يا غاليتي، فليس الأمر بيدك، فمن من النساء تعبأ بطول الطريق أو ما قد يجرها إليه من مخاطر إن كانت عيناها لا تبصران سوي ذاك القلب القابع في نهايته... إنها حتي لا تبصر موضع قدميها إذ تسير... تمضي مسحورة إلي حيث قلبه لا تدري أنها تخطو فوق جمر و شظايا، بل تخطو فوق قلبها و روحها أحيانا... إن أشقي النساء يا كيميا الغالية ليست هي من انزلقت قدماها إلي عشق غير متبادل كما ظننت، و إنما تلك التي ينتظرها في نهاية الطريق قلب رجل لا يهدأ و لا يستقر لدي شيء، قلب زاهد لا يأبه _في رحلته الطويلة_ لما تكابده هي من ألم الوصول إليه، قلب له مقاييس خاصة في القسوة و الحنو، يتفلت من حضن روحها قبل أن يسكن إليه، فتظل الروح عالقة به، لا تتحول عنه و إن ابتعدت به الدرب... يغرق في غياهب الصمت الطويل بعد أن أضاء عقلها بحلو حديثه، فيظل عقلها يبصر الدنيا بعينيه، و يردد عليها كلماته دون كلل أو انقطاع...
و رغم كل ذاك العناء، لا يمكنني أن أقول أنك سيئة الحظ يا كيميا الغالية... بل ربما كنت أوفر النساء حظا... و أيقنهن علما... فلقد عرفت من العشق ما لا و لن يعرفه سواك، لقد امتلكت كنزا بقلبك يا عزيزتي و لست علي يقين إن كان شمسك قد فهم ذلك تماما أم لا... و لكنك تدركين _علي كل حال_ أنه قادك إلي أعمق تيارات النهر، و أسلمك إلي حيث يمكنك أن تسبحي بأمان مفتوحة العينين علي كل الحقائق التي لم تريها يوما سوي هناك... ففيم الألم يا غاليتي، و فيم العناء... لا تنظري خلفك يا كيميا، تحرري من الخوف و الغرور قليلا، و دعي التيار الذي قادك إلي قلب شمس ينزعك بعيدا جدا، حيث تمنيت دائما أن تكوني...

الحب لا يستحيل عدما يا كيميا، و أنت تعرفين ذلك جيدا... و هو لا يستحيل مقتا أو إعراضا بحال... الحب فيض من جمال الله و بهائه، و أنت إذ أحببت فقد تجلي الله عليك من باب خفي... فأشرقت روحك بفيض النور... و شفت نفسك عن ألوان لم ينظرها بعد السوي... فهلا نفضت عنك الأغلال و تحررت من لغة الكلام و أنصتت إلي صوت قلبك... فأنت إذ دخلت منطقة العشق، فلست بحاجة إلي اللغة... بل لست بحاجة إلي شيء يا كيميا...

الجمعة، 14 فبراير 2014

من الواقع الافتراضي...

يقولون أن طول الصمت قد يجعل منك حكيما... و الواقع الذي اختبرته بنفسي أن طول الصمت لا يقودك إلي الحكمة بالمعني المباشر المتعارف عليه، و إنما _فقط_ يعطي الفرصة لبعض التفصيلات الصغيرة اليومية أن يعلو صوتها (أو صوت تحليل عقلك لها) فوق صوت ثرثرتك المستمرة!
تصادف _بدون علة محددة_ أن أدمنت الصمت هذه الأيام... أجلس علي مكتبي لفترات طويلة إلي جواري هذا الشباك الذي صرت أميل إلي إبقائه مفتوحا طوال اليوم... أطل من آن إلي آخر في شعور ملح يراودني كسجين يبهجه رؤية شعاع الشمس عبر الشبابيك الصغيرة العالية...
في البناية المقابلة، لاحظت شباكا يفتح صباحا بصفة يومية، لا يطل منه سوي عجوز يبدو أنه يسكن البيت وحده... ربما تزوج الأبناء و فارقت الزوجة و بقي وحده يرافقه الوحدة و الفراغ و داء النظافة و صورة أتت من الماضي لتستقر علي الجدار، أو ربما اختار منذ زمن أن يبقي وحيدا بلا زوجة أو أبناء، حتي صارت الوحدة رفيقة درب غير مستغرب أو مفارق...
العجوز لا يتوقع بحال أن هناك من يتطلع إلي ظهوره يوميا ليكسر موجة الملل اليومي الرتيب... فنحن عادة ما نتعامل مع الحياة و تفصيلاتها بسطحية مفرطة تقتضي أن تكون توقعاتنا وليدة ما نراه بالفعل...
هذا الصباح، تجاوزت الساعة العاشرة و النصف و لم يطل العجوز إطلالته المعتادة، لم أكن وحدي الذي أنتظر أن يفتح هذا الشباك، فقد كان عصفور صغير يدس وجهه في مفرق "الشيش" يستعجله بالفتح أيضا... بينما يتسرب الملل إلي و تهمس السيدة في أذني "ضاق خلقي"، أخذت أحدق في شاشة الكمبيوتر ال"LG‏"‏ الماثلة أمامي لأجد هذا الوجه المصاحب للماركة "اللوجو" (و الذي لم أنتبه له من قبل) يحاول بابتسامة باردة أن يصبرني بأن الشباك سيفتح عما قريب، يشير بوجهه إلي الحرفين المكتوبين بخط واضح إلي جواره و اللذان أذكر جيدا مفادهما الدعائي (السلوجان) و الذي كان يقول "Life is Good” ... حييته بابتسامة تقدير لاهتمامه، بينما ظل عقلي يساومني علي تصديق العبارة...

بعد أن مضت بضع دقائق من المساومة، ظهر العجوز فاتحا شباكه، بينما انتهيت مع عقلي إلي تعديل العبارة لتكون "لايف إز نوت سو باد

السبت، 25 يناير 2014

فيروز... مبعوثة الله بالخيال

بدا الأمر أشبه بحلم، لا شيء يبدو مفهوما تماما و لكن شعور ممتع حقا... أبواب تفتح علي عالم سحري... شيء جديد لم يسبق أن تذوقت مثله... هكذا اكتشفت السر دون أن أفك طلسمه... أطبق عيني جيدا، ثم أدع ذاك السحر ينتشر في الأجواء، و ما هي إلا بضع ثوان حتي أنتقل آنيا إلي ذلك العالم السحري الذي أسكنه وحدي مع تلك الشفرة التي تتفاعل معها كل ذرة من روحي و كل خلية من جسدي... هكذا تراودني ذكري مذاق أول عهدي بصوت السيدة فيروز...
كان عمري وقتها لا يتعدي الأعوام العشر، و كان والدي قد أهداني "ووك مان"... و الذي كان "حدثا" في زمن التسعينيات... و كان أبي يمتلك "درجا" به أشرطة كاسيت (اختراع يحمل ساعةإلي ساعة و نصف من الصوت... انتحر بمجرد رؤية الCD... رحمه الله كيف لو كان رأي الفلاشة) لمئات الأغنيات لعبد الحليم و الست و السيدة فيروز، تذوقت نتفة من كل، ثم استقر ذوقي عند السيدة التي لم أكن أترجم سوي بضع كليمات من كلماتها، و لكن موسيقي صوتها الساحرة كانت تحتل عقلي دون أن أشعر حتي أجد نفسي و أنا بعد طفلة، أردد رتمها دون تمييز صحيح للمقاطع و الكلمات...
فيروز نسمة، أو فراشة لا تمتع فقط بعذوبتها الساحرة و إنما تتحد مع الخيال و الموهبة لديك لتصنع ذوقا و أسلوبا و فكرا مختلفا عن المعهود... فترسم صورة للحبيب الفارس الذي لم يأت بعد، و ترسم صورة للوطن الذي لم تتبلور في مخيلتي صورته بعد... تعيد تعريف أبسط التفاصيل، الزهرة، الشجرة، السياج، القنديل، المطر، الموسيقي و ربما ما هو أبسط من ذلك... كما أن قاموس لغتها الذي لم يكن مألوفا بالنسبة لي كان بمثابة عالم غامض، فالكرمة و اللوزة و الضيعة و العلية و الدار و الضو و القمر و التلة و التلج عناصر ترسم لوحة متناسقة الألوان، غامضة الروح لا يمكن مقارنتها بحال بذاك الشتات و التلوث الذي يحاصر عيني و أذني علي الدوام و يظل يثقلني حمله حتي أتحرر منه لدي جنة السيدة...
ما لا تعرفه فيروز أنها رفعت سقف مطالبي في الحياة... فرغم تلك "الواقعية" التي تصر الحياة علي فرضها علينا دون كلل، أظل أراني فتاة صغيرة تنتظر حبيبها فارس الخلق، الرجل الذي جمعت له خفة الطبع و الهيبة بمزيج رباني، تراقبه يصلي فيهتز كيانها... تشعر أن شغف الدنيا بانتظاره يفوق شغفها بزمن... و تراها تزهر لظهوره، تطلق ساقيها للريح لاستقباله تهدهد "بكرا إنت و جاي"... تنتظر وطنها الذي تنبت سهوله "سنابل و رجال و هياكل"... تحلم و تحلم، لا تكف عن الحلم دون أن تنتظر مقابلا من واقعها المتغافل...
رفعت فيروز سقف مطالبي و لا أدري حقا، أعلي مقاضاتها لذلك، أم مكافأتها و الدعاء لها لذاك الكون المواز الذي صنعته لي، ألجأ إليه عندما يضيق بي كوني، فيتسع "الخلق" بعض الشيء للمضي ب"سخف" الواقع السخيف!

هذيان

واثقة فيك... و انت عارف... بس بسأل... لو دا ينفع... ليه حياتنا مش بسيطة... ليه أمل يكذب... فيوجع... ليه تاخدنا حجات جميلة... لما بعد ما نمشي حبة... هيقابلنا الخوف... فنرجع... ليه واقعنا ماشي عكس منطق كل حاجة... ليه نخوض كل المعارك... لو هنخسر كل حاجة... ليه بنأذي لو نقرب... بس بردو البعد يوجع... ليه بنعجز... ليه نتوه... ليه بنمشي بالصدف... و اما حد بيفاجئنا اننا ماشيين... نقف... و اما نسأل روحنا ليه... تبريراتنا بتبقي ساذجة... لكن بنرفض نعترف... عمري ما وثقت ف إجابة... بس في دعوة مجابة... و انت مش بخلان عليا... و عارف الحيرة اللي بيا... و الحياة مش عايزة تتساهل معايا في أي مبدأ... فانتهي قبل ما ببدأ... و اقبل الواقع كدا من غير ما اصدق... نفسي أفهم و انت عارف... ليه حياتنا مش بسيطة... رغم إن العمر أقصر... و إن نادر لما تحصل حاجة بتخليها تفرق...

السبت، 4 يناير 2014

رسالة عتب لم ترسل...

لو أنك انتظرت قليلا تلك الليلة... لو أنك أمهلتني بعض الوقت لأقول أشياء وددت قولها... كنت سأخبرك كم أغرقتني أنت في عمق حكاياك، و وحدتني في لون حزنك... كنت سأقص عليك حكايا مشابهة عن تلك الأمور التي لا تزال تقبع في أعماق قلبي، تلك الأمور التي تخشي كثيرا أن تقال... كنت سأقص عليك حكاية عن طفل رقيق ضائع يبحث عن رفقة إلي وطن... و كنت سأقول لك كم كنت تشبهه تلك الليلة... و أشرح لك كم كنت أحلم أن آخذ بيدك إلي السكني، و أحضر لك كثيرا من حلواك المفضلة، و أغنيك أغنية مليئة بالأمل... كنت سأضم ألمك بقوة، و أمنحه هدية من سكينة و ضوء، و أهدهده ليهدأ...
كنت أود أن أحكيك عن فتاة خذلها الأمان فتغربت في دارها... و أخبرك كم كنت أشبهها يوم أبكاني الخذلان... للمرة الأخيرة...
كنت أحلم أن تربت علي ألمي بحنو... و تبتسم له فيتبدد في عمق عينيك الرحبة...
لو أنك انتظرت قليلا قبل أن ترفع الأسوار و تعلن الحدود... كنت سأضم غاباتي التي كادت تموت عطشا إلي واحاتك التي تفترش الصحراء... كنت سألعن الحدود و أحرق الأسوار فتحلق طيوري حيث جودك... و تصبو أشجاري إلي باسقات نخلك..
لو أنك لم توصد بابك تلك الليلة، و تطفئ سراج الحلم في مشكاة روحي... ما كان زارني الشتاء بعتمته و برده... و لم يكن شوقي ليعصف بريحانة أزهرت علي سياج الزمن فتلونت أعوامي بأخضرها و تضوعت بعطرها...
لو أنك انتظرت قليلا حتي انتهي من ثرثرتي الجوفاء... كان سيزورني صمت طويل في حضرتك... لو أنك فتشت قليلا في صمتي، لوجدت تلك الأمنية التي علقت به... تلك الأمنية التي توارت عنك في زحام كلماتي و أفكاري... تلك الأمنية التي كانت أول ما تمنيت... و آخره!
لو أنك تمهلت ليلتها لبعض الوقت... ماذا كان عليك لو أنك تمهلت ليلتها لبعض الوقت؟!