السبت، 27 ديسمبر 2014

أحجية الحياة...

لم أعد مؤخرا أستطيع أن أري الحياة من حولي سوي بتلك النظرة الواقعية التي تتسم_غالبا_ بالكآبة... و حقيقة أنه لم يعد أحد... فالحديث عن التفاؤل في غمار ما يجري يبدو ضربا من السخف و الحماقة و الابتذال... و لكن_و رغم الواقع و الكآبة_ لا تزال الحياة تمثل لي تلك اﻷحجية اﻷزلية... فمن عجائب الحياة أنها تدع لك مساحة _و إن كانت صغيرة جدا_ للمتعة... ربما كانت قهوتك الصباحية، أو سؤالا من أحدهم تذكره بالكاد و لكنه يذكرك لتلك الدرجة التي تدفعه لتفقدك... ربما كان "تراك" جميلا اكتشفته و ظللت تعيده مرات و مرات علي سمعك... ربما أبسط من ذلك... فالحياة لا تطبق بسوادها جميعا... و ذلك يدفعنا ﻷن نكون علي اﻷقل، ممتنين... قد تمنحك الحياة أمرا جميلا تتفرد به في أحلك المواقف لا لتخرجك منها و لكن لتخفف حدة تلك الكآبة التي يمكنها أن تشوه معالم روحك لولا وجود أمر مماثل... أمورا تشبه عداس، ذلك الفتي الجميل الذي أتي للنبي محمد بالفاكهة بعد محنة الطائف و جلس إليه و أخذ يسمعه و يصدقه و يهيبه... أو تلك الهرة التي لازمت الصحابي الفقير تعوضه عن اﻷهل و الولد ليكون أبي هريرة أبيها إلي اﻷبد... أو ذلك الهدهد الذي دبر لقاء أسطوريا يجمع سليمان و بلقيس و الذي لولا عجائب الحياة لكان لقاءا مستحيلا... هكذا يمكن للحياة أن تصنع لنا ذاك الخليط العجيب لنمضي... و لو توقفنا لنسأل لماذا نمضي ما مضينا... اﻷمر ليس علي سبيل المكافأة... و لا علاقة له بكونك نبيا أو وليا... فقط صدق إن أردت... فالمعجزات تجري فقط علي يد من يصدق فيها في كل زمان...

بلقيس...

و أوتينا العلم من قبلها...
في حوار أشبه بال IQ test... يتألق سليمان و بلقيس كأروع ما يكون "ماتش نهائي كاس عالم"... في عصر الجواري و اﻹماء يكسر سليمان كل المسلمات و القوالب و يمضي ساعات طويلة يجادل "امرأة" و يتبادل معها اﻷحجيات... صحيح بلقيس ملكة لكن سليمان كان أقوي و ملكه أكبر و لو كانت الفكرة في إخضاعها لمملكته أو ديانتة كان في ألف طريقة أسهل و أنجز... القصة دي بالذات ربنا ما أشارش ﻷي أهداف تانية ورا دعوة سليمان لبلقيس... دعوته ليها كانت دعوة حوار و "جسر ممرد إلي الله"... و بتنتهي القصة اللي بيحكيها ربنا من غير "بانيك" و من غير نهايات عاطفية درامية... يمكن حبت سليمان... يمكن حبها... يمكن كملو حياتهم مع بعض... أو رجعت لحياتها و ملكها... مش مهم... ﻷن الأهم في القصة حصل... النور و الجمال و المتعة و الفكر و الانبهار و الإعجاب المتبادل و عقلين و قلبين اتفتحو علي دنيا أوسع... كل المحاولات لاستكمال القصة أو تحويرها كانت مجرد انعكاس لعقم المجتمعات و فقرها... فمثلا إن اليهود يحاولو يشوهو بلقيس و يقولو انها نص شيطان لمجرد ان عقلهم مش متقبل ان ست تكون بالمكانة و الحكمة دي... أو العرب يحاولو يطبقو نمطهم السطحي الرتيب علي علاقة سليمان و بلقيس و انهم اتجوزو و عاشو في تبات و نبات و الحدوتة خلصت عشان الست ملهاش غير بيتها... أو حتي التصورات اﻷوروبية إن العلاقة كان أساسها الرغبة و الجنس... علاقة الراجل بالست في معظم المجتمعات علاقة مشوهة و بعيدة تماما عن الفطرة... و ربنا بيكلم ناس سوية... عشان كدا صعب نفهمه...