يقولون أن طول الصمت قد يجعل منك حكيما...
و الواقع الذي اختبرته بنفسي أن طول الصمت لا يقودك إلي الحكمة بالمعني المباشر المتعارف
عليه، و إنما _فقط_ يعطي الفرصة لبعض التفصيلات الصغيرة اليومية أن يعلو صوتها (أو
صوت تحليل عقلك لها) فوق صوت ثرثرتك المستمرة!
تصادف _بدون علة محددة_ أن أدمنت الصمت هذه
الأيام... أجلس علي مكتبي لفترات طويلة إلي جواري هذا الشباك الذي صرت أميل إلي إبقائه
مفتوحا طوال اليوم... أطل من آن إلي آخر في شعور ملح يراودني كسجين يبهجه رؤية شعاع
الشمس عبر الشبابيك الصغيرة العالية...
في البناية المقابلة، لاحظت شباكا يفتح صباحا
بصفة يومية، لا يطل منه سوي عجوز يبدو أنه يسكن البيت وحده... ربما تزوج الأبناء و
فارقت الزوجة و بقي وحده يرافقه الوحدة و الفراغ و داء النظافة و صورة أتت من الماضي
لتستقر علي الجدار، أو ربما اختار منذ زمن أن يبقي وحيدا بلا زوجة أو أبناء، حتي صارت
الوحدة رفيقة درب غير مستغرب أو مفارق...
العجوز لا يتوقع بحال أن هناك من يتطلع إلي
ظهوره يوميا ليكسر موجة الملل اليومي الرتيب... فنحن عادة ما نتعامل مع الحياة و تفصيلاتها
بسطحية مفرطة تقتضي أن تكون توقعاتنا وليدة ما نراه بالفعل...
هذا الصباح، تجاوزت الساعة العاشرة و النصف
و لم يطل العجوز إطلالته المعتادة، لم أكن وحدي الذي أنتظر أن يفتح هذا الشباك، فقد
كان عصفور صغير يدس وجهه في مفرق "الشيش" يستعجله بالفتح أيضا... بينما يتسرب
الملل إلي و تهمس السيدة في أذني "ضاق خلقي"، أخذت أحدق في شاشة الكمبيوتر
ال"LG" الماثلة أمامي لأجد هذا الوجه المصاحب
للماركة "اللوجو" (و الذي لم أنتبه له من قبل) يحاول بابتسامة باردة أن يصبرني
بأن الشباك سيفتح عما قريب، يشير بوجهه إلي الحرفين المكتوبين بخط واضح إلي جواره و
اللذان أذكر جيدا مفادهما الدعائي (السلوجان) و الذي كان يقول "Life is Good” ... حييته بابتسامة تقدير لاهتمامه، بينما ظل عقلي يساومني علي تصديق
العبارة...
بعد أن مضت بضع دقائق من المساومة، ظهر العجوز
فاتحا شباكه، بينما انتهيت مع عقلي إلي تعديل العبارة لتكون "لايف إز نوت سو باد”