لا يشكر الله من لا يشكر الناس... و بطريقة ما، لا يمكنه أن يحدثك عن محبة الله من لم يذق محبة "أحد" خلقه... و لا أدري إن كان الصوفيون قد فطنوا سلفا إلي ذلك فاتخذوا عشق المرأة أو المحبوب طريقا إلي "العشق الإلهي"... و هل تخضع المحبة لتلك الفكرة البسيطة التي تتلخص في أنك لا يمكنك أن تصف مشاعر ما (كالجوع، و العطش، و الرغبة) إلا إذا كنت حقا اختبرتها يوما ما. ربما لا، فلذاك الشعور درجة عميقة و تراكمية "أو متدرجة" تعدو تلك المشاعر اللحظية. أو ربما كان اﻷمر غير قابل للقياس ﻷن لكل منا طبيعة و قلب تختلف درجة رقته و قسوته عن نظيره... و لكن، هل كان آدم ليدرك محبة الله الكامنة في قلبه لولا أن أحب حواءه و توحدا لتلك المرتبة التي يستوي لديك فيها العيش منعما في الجنة أو ضائعا في صحراء الأرض المقفرة طالما كنت برفقة ذاك الرفيق الاستثنائي... و هل تلك الخاصية التي ميزه الله بها عندما وصفه بالخليفة، بينما لم تعها الملائكة عندما وصفت علاقتها بالله بأنها التسبيح و التقديس... الحب مكون أساسي أودعه الله في كل ما صنع بيديه و أهداه الروح.. و قد منح كل كائن طريقته الخاصة في إدراك تلك الخاصية و التعبير عنها... و لكن _لسبب ما أجهله_ شاهت معالم تلك الخاصية عند الكائن البشري... فصار يبالغ في التفاعل مع تلك المشاعر بطريقة مجردة بعض الشيء... و يعكس عليها و بشتي الطرق عقده و مخاوفه و سطحيته و ماديته و رغباته الجسدية... و لذلك تفاوتت ردة فعل المجتمعات بحسب التصالح مع تلك المادية "لا الوازع الأخلاقي" بين القبول و الرفض... و ﻷن المحبة صارت مرادفا للرغبة، تجدها في مجتمعات الفصام أمرا خاضعا للسيطرة/الطلب... فيتم سجنها و تقييدها إلي أن يأتي "اﻹطار" المناسب لإطلاقها... أما تلك المجتمعات التي تتصالح مع تلك المادية... تنطلق الرغبة لتكون أساسا للقرب و البعد و تحدد بداية العلاقات و نهايتها... و عندما تخمد الرغبة نبحث عن الحب بداخلنا و حولنا، فلا نجده! الحب بكل صوره هو هدية الله للقلوب الحانية ليرقيها و القاسية ليطوعها... و لا يجوز بحال أن تحكمه المادة... و لأنه مرافق للروح يترقي في الطبقات و المراتب... و بحسب طبقته يكون الحب قادرا علي اختراق الحواجز و تجاوز الاختلاف... أن تكون محبا يعني أنك تكون متقبلا محبوبك بكل فعاله سواء أحببتها أم لا... سواء أفهمتها تماما أم لا... و لذا، فإن أردت أن تعرف محبة الله و قبول جميع فعاله، فلا تخجل من أن تجد لنفسك محبوبا... و اترك للمحبة مجالا لتغسل قلبك... و لا تحرص أن تملك من أحببت، و لا تندم أن أحببت يوما... فللقلوب لغة يفهمها من قام ببرمجتها... و هو _وحده_ القادر علي أن يعيد كتابة تلك الشفرة أو استبدالها حينما يريد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق