لا يمكن قياس تاريخ الأمم بميراث الآباء و الأجداد، و إنما يقاس بماضيها و حاضرها و مستقبلها. و أمة الحضارة هي أمة يربط التاريخ حاضرها بمستقبلها، فتكون كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء. و لا يمكن لأمة أن توصَفَ بأُمَّةِ الحضارة إلا إذا كان لها حظٌ من الماضِ و خطةٌ للمستقبل. و ميراث الشعوب من الحضارة ليس ما ورثوه من الألقاب و الآثار و البنيان و الخيل المسومة و الأنعام و الحرث، و إنما الفكْر، و تلك العقول التي تملك القدرة علي فَهمِه و تطويره ليكونَ جسراً بين الماضِ و المستقبل. و كل ما خلاف ذلك يعدُّ من قبيل المدنية التي تنهار بانهيار زمانها.
ولذلك نجد أنه ليس غريبـــاً أن نري كثيراً من الأمم التي ذكر التاريخ حضاراتها، تغرق في سطحيتها و جهلها، فقد نُسِّيت الأفكار، و نامت العقول، و اهتم مثقفوها بقضايا مفتعلة، و ملوكُها بفخرٍ زائف، و أصبحت الفكرة رفاهية لا تملك الشعوب ثمنها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق