تقول:"دعاني صلي الله
عليه و سلم و الحبشة يلعبون بحرابهم في المسجد في يوم عيد فقال لي: أتحبين أن
تنظري إليهم، فقلت: نعم، فأقامني وراءه، فطأطأ لي منكبه لأنظر إليهم، فوضعت ذقني
علي عاتقه و أسندت وجهي إلي خده، فنظرت من فوق منكبيه حتي مللت، قال: حسبك؟، قلت: لا
تعجل، فقام لي ثم قال: حسبك؟، قلت: لا تعجل... و ما بي حب النظر إليهم و لكن أحببت
أن يبلغ النساء مقامه لي و مكاني منه..."
حديث عن عائشة رضي الله
عنها، ربما يعرفه الكثير... و من يقرأ مطلع مقالي هذا ربما ظنه جزءا مقتبسا من كتب
السيرة و الحديث و شروحهما، أو أنه لن يخرج في سياقه عن كونه درسا أو وعظا أيا كان
الهدف منه، و لكن من يتمهل قليلا قد يري الرؤية التي أتناولها، و العمق الذي أراه
لتلك القصة.
لست بحاجة للحديث عن عِظَم
خُلق هذا الرجل، فلا يمكنني أن أسع نُبله و رحمته و كرمه و احتوائه وصفا، كما أن هذه
المرأة تحديدا في غنيً تام عن الحديث عن مآثرها، فهي من أفضل النساء شرفا و أدبا و
حكمةً و علما، غير أنها من أكثرهن جمالا...
و لكن... هل تغني حكمة المرأة
أو رجاحة عقلها أو حدة ذكائها عن احتياجها لرجل، ربما كان رجلا غير عادي هذا الذي تناسبه تلك المرأة غير العادية، و لكنه
يبقي، دون أدني مبالغة، نافذة تطل منها علي الدنيـــا...
عندما أتأمل تلك القصة،
دون إغفال لما تحمله من مشاعر حب و احترام و تقدير من رجل عظيم لامرأته الحديثة
السن، الحريصة علي اللهو ( علي حد تعبيرها)، أتخيل سعادتها و هي تنظر من خلاله علي
شيء جديد لم تره قبلا... تستمد تلك المتعة و السعادة لا من عرض لأحباش يرقصون
بالحراب، و إنما بمشاركته إياه، و بأنه يرافقها لا يسأم أفعالها الطفولية التي
أكاد أجزم أنه لا توجد امرأة علي وجه الأرض، مهما بلغت من العمر أو النضج، لم تحظ
بنصيب منها!
ليتفق معي من يتفق، و ليختلف
من يختلف، فأنا أري الرجل نافذة امرأته السحرية علي دنيـــا ربما لم ترها، و ربما
رأتها و لم تفهمها، و ربما فهمتها و لكنها من خلاله تزداد فهما و استمتاعا بكل ما
تفهم... و لا أنتقص بذلك من قدرها أو قدراتها، و إنما أرتفع برؤيتي و تخيلاتي لرجل
زماننا الذي ينصب من نفسه، إلا ما رحم ربي، نظارات طبية لمعالجة قصر النظر، بغض
النظر عن سلامة نظر المرأة من قصره، فهو يفترض فيه القصر ابتداءً... و المطلوب
منها ببساطة... أن (تتكيَّف)!
أتخيله و هو يغمرها احتواءً،
لا يستخف بشيء قد يسعدها، و إن بدا له ساذجا... تُطِل من شرفة رجولته، فتري ضوءَ
محبةٍ يفيض عليها، و يلوّن عالمها بلون محبب إلي نفسها، تتضاءل معه الكثير من منغصات
الدنيــا... لون تري نفسها معه أكثر إشراقا و جمالا، و تري ملامحها أكثر تحديدا و
وضوحا...
يالها من شرفة ساحرة، تري
من خلالها إيمانه بها و قد ملأ نفسها إيمانا بقوة خفية لديها، لا يمكن لقوة في
الأرض أن تكسرها...
و أحب كثيرا أن أقول أنني لا
أُقلل من قدر رجل زماني، و لا أنتقده بكلامي، و لا يمكنني أن أفعل ذلك لأنني
ببساطة شديدة لست أهلا لمثل هذا الفعل!! و إنما فقط أسلط بقعة ضوء علي منطقة شديدة
الرُّقي، أغفلناها أو تغافلناها أو انشغلنا عنها فذابت كذرة مِلح في شلالات
ماديتنا التي لا ترحم...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق