جلس في هدأة الليل
إلي صغاره المدللين، طلب إليهم أن يسكنوا قليلا كي يبثهم أمرا… يعلم جيدا كم تسأم نفوسهم
الصغيرة وقع كلماته المنظمة، و لكنهم_رُغم ذلك_ تحلقوا حوله لينصتوا إليه في شغف
طفولي بريء...
لقد اعتادوا أن
يجلسوا إليه ليقصهم حكاياه الممزوجة بسحر خياله، فيجتاز بهم مدي الدهر و حدود
المكان... و لكن تلك المرة بدا مختلفا، ففي صوته شجن كسير، و علي ملامحه مِسحة
حزن لم يسبق لهم أن رأوها تعلو وجهه...
"اسمعوا لي يا صغاري،
فالله وحده يعلم كم أحبكم... لقد عاهدته كثيرا أن أكون لكم الأمان و الحماية... عاهدته
كثيرا أن أترك لكم عالما أفضل لتعيشوا به... وحده الله هو من يعلم كم يعتصرني قلقي
عليكم..."...أطرق شارد الذهن، فإن مجرد تفكيره بأن مكروها قد يُلمَّ بهم _لا
قدَّر الله_ يصيبه بغُصة في حلقه، بل يكاد يعصف به و يُذهب نفسه حسرات!!
نظر إلي وجوههم
الصغيرة ذات القسمات الناعمة التي لم يعبث بها الزمن بعد... ابتسم لهم في شفقة،
ربما لم يفهموها، و لكنه كان واثقا أنهم لو شعروا بها، لأخذتهم به شفقة لا حدَّ لها...
"... و رغم ذلك، أنا لا ألومكم يوما إن لمتموني
أو كرهتموني أو حتي لعنتموني... و كيف ألومكم إن كنت ألوم نفسي، و أكرهها و ألعنها
و أخجل من الله و منكم و منها... نعم، فالحقيقة أنني أخجل كثيرا لما فرطت فيما عاهدت الله... و وعدتكم!!"...
*****
لم يكن يعلم علي
وجه التحديد كم كانت الساعة عندما فتح عينيه... و لكنه رأي خيوط الشمس الأولي
تتسلل من شرفة غرفته معلنة عن صباح جديد... فانتفض من نومه و ابتسم ابتسامة العائد
من رحلة طويلة متمتما " أيها الصغار، سامحوا تقصيرنا و اعذروا بشريتنا... سامحونا
إن نحن أنجبناكم، و اعذرونا إن لم نفعل!!"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق