السبت، 25 يناير 2014

فيروز... مبعوثة الله بالخيال

بدا الأمر أشبه بحلم، لا شيء يبدو مفهوما تماما و لكن شعور ممتع حقا... أبواب تفتح علي عالم سحري... شيء جديد لم يسبق أن تذوقت مثله... هكذا اكتشفت السر دون أن أفك طلسمه... أطبق عيني جيدا، ثم أدع ذاك السحر ينتشر في الأجواء، و ما هي إلا بضع ثوان حتي أنتقل آنيا إلي ذلك العالم السحري الذي أسكنه وحدي مع تلك الشفرة التي تتفاعل معها كل ذرة من روحي و كل خلية من جسدي... هكذا تراودني ذكري مذاق أول عهدي بصوت السيدة فيروز...
كان عمري وقتها لا يتعدي الأعوام العشر، و كان والدي قد أهداني "ووك مان"... و الذي كان "حدثا" في زمن التسعينيات... و كان أبي يمتلك "درجا" به أشرطة كاسيت (اختراع يحمل ساعةإلي ساعة و نصف من الصوت... انتحر بمجرد رؤية الCD... رحمه الله كيف لو كان رأي الفلاشة) لمئات الأغنيات لعبد الحليم و الست و السيدة فيروز، تذوقت نتفة من كل، ثم استقر ذوقي عند السيدة التي لم أكن أترجم سوي بضع كليمات من كلماتها، و لكن موسيقي صوتها الساحرة كانت تحتل عقلي دون أن أشعر حتي أجد نفسي و أنا بعد طفلة، أردد رتمها دون تمييز صحيح للمقاطع و الكلمات...
فيروز نسمة، أو فراشة لا تمتع فقط بعذوبتها الساحرة و إنما تتحد مع الخيال و الموهبة لديك لتصنع ذوقا و أسلوبا و فكرا مختلفا عن المعهود... فترسم صورة للحبيب الفارس الذي لم يأت بعد، و ترسم صورة للوطن الذي لم تتبلور في مخيلتي صورته بعد... تعيد تعريف أبسط التفاصيل، الزهرة، الشجرة، السياج، القنديل، المطر، الموسيقي و ربما ما هو أبسط من ذلك... كما أن قاموس لغتها الذي لم يكن مألوفا بالنسبة لي كان بمثابة عالم غامض، فالكرمة و اللوزة و الضيعة و العلية و الدار و الضو و القمر و التلة و التلج عناصر ترسم لوحة متناسقة الألوان، غامضة الروح لا يمكن مقارنتها بحال بذاك الشتات و التلوث الذي يحاصر عيني و أذني علي الدوام و يظل يثقلني حمله حتي أتحرر منه لدي جنة السيدة...
ما لا تعرفه فيروز أنها رفعت سقف مطالبي في الحياة... فرغم تلك "الواقعية" التي تصر الحياة علي فرضها علينا دون كلل، أظل أراني فتاة صغيرة تنتظر حبيبها فارس الخلق، الرجل الذي جمعت له خفة الطبع و الهيبة بمزيج رباني، تراقبه يصلي فيهتز كيانها... تشعر أن شغف الدنيا بانتظاره يفوق شغفها بزمن... و تراها تزهر لظهوره، تطلق ساقيها للريح لاستقباله تهدهد "بكرا إنت و جاي"... تنتظر وطنها الذي تنبت سهوله "سنابل و رجال و هياكل"... تحلم و تحلم، لا تكف عن الحلم دون أن تنتظر مقابلا من واقعها المتغافل...
رفعت فيروز سقف مطالبي و لا أدري حقا، أعلي مقاضاتها لذلك، أم مكافأتها و الدعاء لها لذاك الكون المواز الذي صنعته لي، ألجأ إليه عندما يضيق بي كوني، فيتسع "الخلق" بعض الشيء للمضي ب"سخف" الواقع السخيف!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق